المحور الأول: مفاهيم أساسية مرتبطة بالسياسة الخارجية للدول الكبرى
تُعد السياسة الخارجية من أبرز أدوات الدولة للتفاعل مع بيئتها الدولية، إذ تُعرّف بأنها "مجموعة القرارات والأنشطة التي تقوم بها الدولة في سبيل تحقيق مصالحها القومية عبر التفاعل مع الفاعلين الخارجيين" . وترتبط السياسة الخارجية بجملة من المفاهيم الأساسية مثل القوة، النفوذ، الردع، التوازن، والمصلحة الوطنية. أما الدول الكبرى، فهي الدول التي تمتلك مقومات القوة الشاملة: العسكرية، الاقتصادية، الديمغرافية، التكنولوجية والثقافية، ما يمنحها القدرة على التأثير في النظام الدولي وصياغة قواعده وتُمارس هذه الدول دورًا رياديًا في تحديد أولويات الأجندة العالمية، سواء عبر المؤسسات الدولية أو من خلال العلاقات الثنائية والتحالفات.
المحور الثاني: الدول الكبرى في النظام الدولي
تلعب الدول الكبرى دورًا حاسمًا في تشكيل بنية النظام الدولي وتحولاته. ففي النسق القطبي الثنائي، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي نمطًا من التفاعلات يقوم على الردع والتوازن. أما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد هيمنت الولايات المتحدة على النظام الدولي ضمن ما سُمّي بالنظام الأحادي القطبية. غير أن مطلع القرن الحادي والعشرين شهد تحولات تدريجية باتجاه نظام دولي تعددي ناشئ، يتجلى في صعود قوى جديدة مثل الصين، وعودة روسيا كلاعب محوري، إلى جانب تماسك قوى متوسطة فاعلة في النظام الدولي. ، فإن الدول الكبرى تسعى إلى إعادة بناء النظام الدولي بما يضمن مصالحها الإستراتيجية بعد كل تحوّل كبير، سواء عبر القوة أو الشرعية المؤسساتية.
المحور الثالث: محددات وأهداف السياسة الخارجية للدول الكبرى
تخضع السياسة الخارجية لمحددات داخلية وخارجية متشابكة. داخليًا، تؤثر طبيعة النظام السياسي، توجهات النخب، الرأي العام، وقوة جماعات الضغط في رسم التوجهات الخارجية. خارجيًا، تتحكم البيئة الدولية، ميزان القوى، والتهديدات الإقليمية في شكل الخيارات المتاحة. وتسعى الدول الكبرى إلى تحقيق جملة من الأهداف يأتي على رأسها: حماية الأمن القومي، ضمان تدفق الموارد الحيوية، تعزيز النفوذ العالمي، وإدارة النظام الدولي. وبينما ترى المدرسة الواقعية أن الهدف الأساسي للسياسة الخارجية هو تعظيم القوة من أجل البقاء في بيئة فوضوية ، فإن الليبرالية تركز على بناء نظام دولي قائم على المؤسسات والقواعد من أجل تحقيق الاستقرار والتعاون.
المحور الرابع: آليات تنفيذ السياسات الخارجية للدول الكبرى
تعتمد الدول الكبرى في تنفيذ سياساتها الخارجية على أدوات متعددة تجمع بين القوة الصلبة والناعمة، بل وتُطور ما يُعرف بـ"القوة الذكية" (Smart Power)، أي المزج بين الوسائل العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. من أبرز هذه الآليات: القوة العسكرية (الردع، التدخل، الانتشار العسكري)، القوة الاقتصادية (العقوبات، المساعدات، الاتفاقات التجارية)، القوة الناعمة (التأثير الثقافي، الإعلام، التعليم)، وأخيرًا الدبلوماسية كوسيلة لإدارة الأزمات وتحقيق الأهداف عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية. في هذا السياق، تمثل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مثالًا على الاستخدام الذكي للنفوذ الاقتصادي لتحقيق غايات استراتيجية بعيدة المدى.
المحور الخامس: الدول الكبرى والتحالفات الدولية
ترتبط السياسة الخارجية للدول الكبرى ارتباطًا وثيقًا ببناء التحالفات وتنسيق المواقف مع قوى أخرى من أجل تعزيز التوازن أو مواجهة التهديدات. وتشكل التحالفات مظلة لتحقيق الاستقرار أو الهيمنة، وفق الرؤية الإستراتيجية لكل دولة. فمن جهة، نجد التحالفات الأمنية مثل الناتو وAUKUS، التي تعكس إرادة احتواء الخصوم العسكريين، ومن جهة أخرى، توجد التحالفات الاقتصادية مثل G7، G20 وبريكس، التي تمثل فضاءات لتنسيق السياسات الاقتصادية الكونية. وتستخدم هذه التحالفات أيضًا كأداة لتوجيه النظام الدولي وفق مصالح الدول الكبرى، بما يضمن إعادة إنتاج الهيمنة أو تعديل موازين القوى على نحو متدرج. ويشكل ذلك امتدادًا لمبدأ "الاحتواء الاستراتيجي" (Containment) الذي ظل ركيزة في العقيدة الواقعية منذ منتصف القرن العشرين.
- Teacher: MOHAMMED ARBI LADMI